زلزال المغرب ومعنى تمغربيت

شكل زلزال المغرب 2023 ارتجاجاً نفسيا داخلياً للكثيرين، حيث لم يزلزل أرض المغرب قاطبة فقط، لكنه زلزل حواسنا الدفينة كذلك.

أثناء الزلزال تلاشى العقل والمنطق، صرنا جميعا نطرح سؤلا وجوديا: ما مدى قدرتي على الوصول إلى باب البيت للهروب وإلا سأبتلع تحت الأرض؟ لكنني في الوقت نفسه أفكر في أمي، أختي وأطفالي عند الهروب. ما الذي جعلنا نبكي جميعا ونتعانق مع الجيران وننسى خلافاتنا؟

ما الذي يحصل بالضبط؟

أسئلة تدوخ وتصيب الجميع بدوار الزلزال وطنين الأذن. أنا شخصيا ما زلت أحس بدوار شديد حتى كتابة هذه السطور.

لكن، وسط كل هل هذا الهياج النفسي، ظهر مغربي آخر. مغربي جمعي. يعطي المال والملابس والأكل… ويعطي الدم كذلك. شاهدت بأم عيني شبابا وشيبا أعرفهم يتبرعون بالدم، يقولون بالنبرة نفسها: دمنا واحد.

إن قوة الإيمان المغربي استثنائية. تبين أن لدينا شعورا قويا بالاحترام للتمغربيت.

وللبيان، تمغربيت مفهوم مغربي خاص يعني الانتماء لجماعة المغاربة ولأرض المغرب، وقد تشمل حتى الأجانب الذين شاركونا هواء المغرب وماءه. تمغربيت تعني تقديم الدم قبل المال لمن تعرف ولمن لا تعرف. هكذا قال أجدادنا. وهكذا سنقول لأحفادنا.

المغربي يقدم كل شيء ولا ينتظر شيئا. وهذه خلاصة تربية روحية أسسها أبو العباس السبتي منذ قرون حين قال عنه ابن رشد: هذا رجل مذهبه “الوجود ينفعل بالجود”، وقد بقيت العباسية شائعة في ثقافتنا، الإهداء من أول وأحب شيء إليك.

جميع أعمالنا قبل وبعد الزلزال تظهر أننا كمغاربة لدينا قدرة فطرية على أداء المعجزات بشكل أكثر من مبهر، نحتاج فقط فرصة.

يحدث أيضًا في مرحلة الزلزال شيء آخر غير العطاء؛ وظيفة العيون والآذان. الجميع يقوم بالاستماع للأخبار والبكاء الشديد… لا مجال إلا للتعاطف في كارثة كبرى. فقرى ومداشر محيت من الجغرافيا، لكنها لن تمحى من تاريخنا وذاكرتنا، وسنعيد بناءها بحول الله. وهذا دليل آخر على إيمان المغربي بالمصير المشترك. نحن شعب ممتد في التاريخ والجغرافيا. نحن شعب ممتد في الإنسانية.

أيتها السلطات والدول والحكومات،

لا تقلقوا بشأن هذه الأسرار المخبأة في داخل الإنسان المغربي، فلديه قدرة على خلق البهجة حتى وسط الآلام. ولديه قدرة على البقاء. فالإنسان المغربي الأصيل يعرف أنه ليس لديه خيار سوى العمل والاعتماد على موارده على ندرتها.

في زلزال المغرب حصلت وتحصل معجزات سماوية:

رضيعة تنجو من الموت تحت الردم بقدرة إلهية.

قبلية تنجو من الزلزال بسبب اجتماعها في صدقة لله.

ما حدث في دوار أمرزكان حيث ينجو المسجد وتفنى القرية بكاملها.

قوافل تضامن من كل المدن والقرى من جميع جهات المغرب ومن العالم.

سائحة فرنسية ناجية من الزلزال سألوها في فرنسا: هل ستعودين إلى مراكش بعد الزلزال؟ فأجابت:

“Bien sûr. je n’oublierai pas le chauffeur de taxi. il m’a emmené à l’aéroport de Marrakech gratuitement et il a prié pour moi et j’ai pleuré, et nous avons pleuré”

“طبعا. لا أنسى سائق طاكسي. أوصلني إلى المطار مجانا وصلى لأجلي وبكيت، وبكينا”.

والمعجزة الأكبر هي تهافت كل مغربي، بل كل إنسان على المساعدة، ومنهم ذلك الرجل المغربي الذي تبرع بما يملك من طحين وانصرف دون التفات.

هذا الاستثناء الإنساني المغربي والقدرة على بث الحب والتضامن اللامحدود، جعل راهبات إسبانيات بطنجة يتبرعن بدمائهن للضحايا، وقلن: “في المحن يظهر إنسان”.

كل العالم يعرف أن المغرب حصل على المركز الرابع في كأس العالم 2022 بقطر، لكن المغرب الآن يحصل على الكأس الماسية لقيمه الإنسانية والصلابة والأخوة.

اليوم، بعض الأشياء القيمة التي لا تقدر بثمن تظهر في سياق مختلف؛ سياق مصيبة، بل كارثة كبرى: زلزال.

يقول صحافي في قناة أجنبية:

“Oh my God !! These people are able to give without counting, and even in a disaster such as an earthquake, a Moroccan may offer you a cup of hot tea and tell you:
We are in life from God’s destiny to God’s destiny.”

“يا للهول !! هؤلاء الأشخاص قادرون على العطاء دون حساب، وحتى في كارثة مثل زلزال، قد يقدم لك مغربي كأس شاء ساخن ويقول لك:

نحن في الحياة من قدر الله إلى قدر الله”.

مواقف مغاربة الزلزال تذكرنا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حين قال:

“مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى”.

فهنيئا لنا بهذه الروح الإنسانية الجامعة.

من المؤكد أننا في الألفية الثالثة أصبحنا أكثر انعزالية وفرداينة، وحتى أصبنا بأنانية ونرجسية مفرطة، لكن تبين في ربع ثانية من ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، قدرة الله على رد الإنسان إلى عالمه الحقيقي، عالم جماعي يحكمه إنسان جمعي؛ إنسان يفكر في أخيه أكثر مما يفكر في نفسه.

(*) كاتب وروائي مغربي



لقراءة الخبر من المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً