وراء كل نقمة نعمة.. زلزال إقليم الحوز ينسج تفاصيل ملحمة إنسانية أَسْعَفَ فيها المغربي أخاه المنكوب (تدوينة)

في ثواني معدودة، عَمَّ المكان خراب مُهْوِلْ ، تهاوت المنازل وصارت لصيقة بالأرض وأُقْبِرَ الإنسان تحت تجاويفها بفعل هزة أرضية راوحت شدتها ال7 درجات على سلم ريختر، يوم الجمعة 08 شتنبر الجاري، ضربت أقاليم الحوز وتارودانت. لم يستغرق المغربي بعدها إلا ساعات قليلة حتى استجمع قواه وتسلح ﺑ”كل شيء قضاء وقدر” في مجابهة الكارثة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
وبهذا الإيمان، تألفت أفئدة المغاربة وتنافسوا كل من موقعه، في كيفية الوصول إلى منكوبي الزلزال لإسعافهم ومدهم بما يلزم من مأكل ومشرب وملبس، وهي ضروريات العيش التي أصبحت عملة نادرة في محيط يَعُجُّ بالركام ورائحة الموت تحت وفوق الأرض.
ومع توالي الساعات والأيام، تحول المغرب إلى مسرح مفتوح في وجه العالم، شاهد من خلاله تفاصيل ملحمة إنسانية، كل جهة حرصت على تدوين فصل من فصولها بكثير من الإيثار ونكران الذات، مستعينة في ذلك بما توارثه المغاربة عن أجدادهم من كرم الضيافة والجود والحرص على اقتسام اللقمة مع الآخر، بغض النظر عن كميتها أو كفايتها لسد الرمق. فليس مهما أن تشبع البطون بقدر ما هو مهم أن لا يموت مغربيا من الجوع، وهي الفلسفة الإنسانية التي رسخ أبناء المغرب الكرام خلال هذه الأزمة.
زلزال الحوز كان بمثابة الإنجاز الذي جعل العالم يَرْشُقُ المغرب بالورود، وأثبت أن البلاد قادرة على صناعة اكتفائها الذاتي. فلا حديث اليوم بين كبير و صغير أو حتى متصفحي منصات التواصل الاجتماعي إلا عن الوجه الآخر للزلزال. شيئا فشيئا، تبدد هول الكارثة بفعل إنسانية البلاد ملكا وشعبا، فأبدع الكثيرون في توصيف الحدث بما اختلج صدورهم من مشاعر الإشادة والتقدير. كانت النتيجة خواطر على الشاكلة التالية:
كان زلزال أرض، وكنّا طوفان حب
(مُبالِغٌ في الوصف، طاعن في الحماس. لكن، أرجوكم أخبروني)
أخبروني، في أي بلاد، بعد ثلاثة أيام، الغذاء في جنب الطرقات، ولا من يحتاج.
أخبروني، في أي بلاد، بات يصيح سكان قرية في وجه مروحية في السماء، كفى من الطعام.
أخبروني، في أي بلاد، تسابقت المدن في تسيير شاحنات الطعام واللباس.
أخبروني، في أي بلاد، يحمل الصغير والكبير الخبز والدماء، إلى الجريح والشريد.
أخبروني، في أي بلاد، ينصب حلاق كرسيّه وسط الخراب ويعتني بقصّات الرجال.
أخبروني، في أي بلاد، شيخ هرم على دراجته، يُسّلم نصف كيس دقيق، ويمضي.
أخبروني، في أي بلاد، من بعيد، يطلب طبيب عطلة، ويهرع لنجدة جريح ومكسور.
أخبروني، في أي بلاد، تدعو امرأة مكلومة منقذيها لكأس شاي وزعفران.
أخبروني، في أي بلاد، تنزع امرأة خاتمها الوحيد، وتعطيه.
أخبروني، في أي بلاد، يفقد رجل أسرته كاملة، وصابرا شاكرا يحمد الله.
أخبروني، في أي بلاد، من فوق منزل مهدم، تُضحِك امرأة عجوز ضيوفها الغرباء.
أخبروني، في أي بلاد، يفقد الأطفال آباءهم ثم يصبحون أبناء أمة كاملة.
كان زلزال أرض، وكنّا طوفان حب.
نعم. هزمنا الكارثة.
نور الدين سنيح